مع انطلاق يوم التمويل والاستثمار والتجارة ضمن فعاليات COP29، يبدأ مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته التاسعة والعشرين في مناقشة الهدف الرئيسي، وهو التوصل إلى اتفاق تمويل دولي واسع النطاق للمناخ يكفل توفير ما يصل إلى تريليونات الدولارات لمشروعات المناخ.
وتأمل الدول النامية في الحصول على التزامات كبيرة من الدول الصناعية الغنية التي تعد تاريخيا أكبر المتسببين في ارتفاع حرارة الكوكب.
وكان مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته التاسعة والعشرين COP29 قد انطلق في باكو عاصمة دولة أذربيجان، وافتتحه الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، الذي شدد على ضرورة تعزيز صندوق الخسائر والأضرار، والذي وافقت الأطراف على تفعيله في مصر عام 2022 خلال COP27، وتم تشغيله في الإمارات العربية المتحدة عام 2023 خلال COP28، وبذلك تحرك الصندوق إلى مرمى التنفيذ على الأراضي العربية، بناءً على المادة 8 في "اتفاق باريس".
بين مصر والإمارات
بعد عامين من عمل الرئاستين المصرية والإماراتية لمؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ من أجل دفع صندوق الخسائر والأضرار إلى حيز التنفيذ، حرصت الرئاسة المصرية على دفع مفاوضات المناخ ومد أيام المؤتمر حتى تتم الموافقة على إنشاء الصندوق، من جانبها، ساعدت الرئاسة الإماراتية في مد الصندوق بتمويل 100 مليون دولار، تبعتها ألمانيا بـ100 مليون دولار؛ علمًا بأنّ مبلغ 200 مليون دولار يمثّل الحد الأدنى حتى يوافق البنك الدولي على استضافة الصندوق، ما يُشير إلى تنسيق سابق بين الإمارات وألمانيا؛ لتعجيل إدخال الصندوق إلى حيز التنفيذ، وهذا ما حدث في اليوم الأول من COP28؛ فلقي هذا القرار قبولًا واسعًا.
وتبعتهما بعض الدول الأخرى بتمويل تجاوز اليوم 800 مليون دولار. وتُعلق الكثير من الآمال على COP29، باعتباره "مؤتمر الأطراف المالي"؛ لتمويل هذا الصندوق إلى المستوى المطلوب لتعويض الدول التي تضررت بشكل لا رجعة فيه من آثار التغيرات المناخية.
إلى أذربيجان
بالفعل، في اليوم الثاني من انطلاق المؤتمر، الموافق الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني، دعت مجموعة 77 والصين إلى أن يشمل الهدف الكمي الجماعي الجديد تمويل كل من التكيف والتخفيف والخسائر والأضرار، وأن يُخصص تمويل قدره 1.3 تريليون دولار سنويًا للعمل المناخي، على أن تحصل البلدان الأقل نموًا على 220 مليار دولار، وتحالف الدول الجزرية الصغيرة على 39 مليار دولار، وأن يأتي التمويل من الدول المتقدمة المدرجة في الملحق الأول لـ"اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي" (UNFCCC)، لكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت إدراج صندوق الخسائر والأضرار بالاتفاقية.
من جانب آخر، اعترضت الكثير من البلدان المتقدمة على إدراج مبادئ جديدة مثل تقاسم الأعباء التمويلية بين الدول المتقدمة.
من جانبها تُقدر مؤسسة التعاون من أجل الخسائر والأضرار في 2024 بنحو 671 مليار دولار. وبذلك تقترب تكلفة الخسائر والأضرار من نصف هدف التمويل الكمي الجماعي الجديد المُقدر بنحو 1.3 تريليون دولار سنويًا -كما ذكرنا- ومن المنتظر أن تحدد البلدان نسبة صندوق الخسائر والأضرار من التمويل.
من ناحية أخرى، هناك حالة من الإحباط عبرت عنها بعض الدول من مراجعة آلية وارسو الدولية للعام 2024، وهي آلية تعني بالخسائر والأضرار المرتبطة بالتغيرات المناخية وقد انطلقت في أثناء فعاليات COP19 في وراسو عاصمة بولندا، وفي أثناء اليوم الثاني من COP29 أعربت العديد من الأطراف عن مراجعة الآلية الأخيرة التي تُبدي طموحًا مناخيًا منخفضًا وغير كافٍ. لذلك اقترح المندوبون أن تُصدر آلية وارسو تقارير سنوية أكثر تفصيلًا.
نداء!
وفي أثناء حوار رفيع المستوى خلال COP29، قدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نداءً باسم العدالة قائلًا: "في عصر الظواهر المناخية المتطرفة، يعد تمويل الخسائر والأضرار أمرًا لا بد منه". وتابع: "أحث الحكومات على الوفاء بالتزاماتها، باسم العدالة". وشدد على أنّ صندوق الخسائر والأضرار يحتاج إلى تمويل، ووصفه بأنه "انتصار للدول النامية".
تطرق غوتيريش إلى النزوح المناخي، مستشهدًا بتقرير "المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين" (UNHCR)، الذي أشار إلى التهديد الذي يمثله التغير المناخي على البشر، ما يتسبّب في زيادة أعداد الأشخاص اللاجئين الذين يفرون من بلاده، إذ وجد التقرير أن هناك ما يزيد على 120 مليون نازح قسري يعيش أغلبهم في مناطق متأثرة بشدة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
ومن المتوقع أن ترتفع أعداد البلدان التي تواجه مخاطر التغيرات المناخية من 3 إلى 65 دولة بحلول 2040. ومع كثرة النزوح، تُضطر الدول الأخرى إلى استقبال النازحين، فيزداد الضغط على الموارد. من جانبه، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي: "إن أزمة المناخ تدفع إلى النزوح في المناطق التي تستضيف بالفعل أعدادًا كبيرة من الأشخاص الذين شردهم الصراع وانعدام الأمن، ما يتسبب في تفاقم محنتهم وعدم تركهم في مكان آمن للذهاب إليه".
لذلك، يُعد صندوق الخسائر والأضرار من ضمن الجهات التي تحتاج إلى تمويل في أسرع وقت. كما دعا أنطونيو غوتيريش باسم العدالة؛ فتفاقم الاحتباس الحراري يضطر بعض الناس إلى النزوح من بلادهم وخسارة أملاكهم، تمامًا مثل حالات النزوح في الحروب. ومن هذا المنطلق، يجب تعويضهم ليحيوا حياة كريمة، بعد الكوارث التي شهدوها إثر التغيرات المناخية التي ليس لهم يد فيها.